فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ}
وهم المستعجلون أيضًا، وإنما عدَل عن الإضمار إلى الموصول ذمًا لهم ونعيًا عليهم كفرَهم بآيات الله تعالى التي تخِرُّ لها صُمُّ الجبال حيث لم يرفعوا لها رأسًا ولم يعُدّوها من جنس الآيات وقالوا: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} مثلَ آياتِ موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام عنادًا ومكابرةً، وإلا ففي أدنى آيةٍ أُنزلت عليه عليه الصلاة والسلام غُنيةٌ وعِبرةٌ لأولي الألباب: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} مرسَلٌ للإنذار من سوء عاقبةِ ما يأتون ويذرون كدأب مَنْ قبلك من الرسل وليس عليك إلا الإتيانُ بما يُعلم به نُبوَّتُك، وقد حصل ذلك بما لا مزيدَ عليه ولا حاجة إلى إلزامهم وإلقامِهم الحجرَ بالإتيان بما اقترحوا من الآيات: {وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} معينٌ لا بالذات بل بعنوان الهدايةِ يعني لكل قوم نبيٌّ مخصوصٌ له هدايةٌ مخصوصةٌ يقتضي اختصاصُ كلَ منهم بما يختص به حكمًا لا يعلمها إلا الله أو لكل قوم هادٍ عظيمُ الشأنِ قادرٌ على ذلك هو الله سبحانه وما عليك إلا إنذارُهم فلا يُهِمَنك عنادُهم وإنكارُهم للآيات المنزّلةِ عليك وازدراؤهم بها ثم عقّبه بما يدل على كمال علمِه وقدرتِه وشمولِ قضائِه وقدَره المبنيَّين على الحِكَم والمصالحِ تنبيهًا على أن تخصيصَ كلِّ قومٍ ينبئ بجنس معين من الآيات إنما هو للحِكَم الداعية إلى ذلك إظهارًا لكمال قدرتِه على هدايتهم لكن لا يهدي إلا من تعلّق بهدايته مشيئتُه التابعةُ لِحكَم استأثر بعلمها فقال: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} أي تحمِله فما موصولةٌ أريد بها ما في بطنها من حين العُلوقِ إلى زمن الولادةِ لا بعد تكاملِ الخلقِ فقط، والعلمُ متعدَ إلى واحد، أو أيَّ شيءٍ تحملُ وعلى أي حال هو من الأحوال المتواردةِ عليه طورًا فطورًا فهي استفهاميةٌ معلقةٌ للعلم أو حملَها فهي مصدرية: {وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ} أي تنقُصه وتزداده في الجُثة كالخَديج والتام وفي المدة كالمولود في أقلِّ مدة الحملِ والمولود في أكثرها وفيما بينهما. قيل: إن الضحاك ولد في سنتين، وهرِمَ ابن حيان في أربع ومن ذلك سُمِّي هرِمًا، وفي العدد كالواحد فما فوقه. يروى أن شريكًا كان رابعَ أربعةٍ، أو يعلم نقصَها وازديادها لما فيها فالفعلان متعدّيان كما في قوله تعالى: {وَغِيضَ الماء} وقوله تعالى: {وازدادوا تِسْعًا} وقوله: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} أو لازمان قد أسندا إلى الأرحام مجازًا وهما لما فيها: {وَكُلَّ شئ} من الأشياء: {عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} بقدر لا يمكن تجاوزُه عنه كقوله: {إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} فإن كل حادثٍ من الأعيان والأعراضِ له في كل مرتبةٍ من مراتب التكوينِ ومباديها وقتٌ معينٌ وحالٌ مخصوص لا يكاد يجاوزه، والمرادُ بالعندية الحضورُ العلميُّ بل العلمُ الحضوريُّ فإن تحقيقَ الأشياءِ في أنفسها في أي مرتبةٍ كانت مراتبُ الوجود والاستعداد لذلك علمٌ له بالنسبة إلى الله عز وجل.
{عالم الغيب} أي الغائبِ عن الحس: {والشهادة} أي الحاضرِ له عبر عنهما بهما مبالغةً، وقيل: أريد بالغيب المعدومُ وبالشهادة الموجودُ وهو خبرُ مبتدإٍ محذوفٍ أو خبرٌ بعد خبر، وقرئ بالنصب على المدح وهذا كالدليل على ما قبله من قوله تعالى: {الله يَعْلَمُ} الخ: {الكبير} العظيمُ الشأنِ الذي كلُّ شيء دونه: {المتعال} المستعلي على كل شيء بقدرته أو المنزَّهُ عن نعوت المخلوقات. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ}
وهم المستعجلون كما روي عن قتادة، وكأنه إنما عبر عنهم بذلك نعيًا عليهم كفرهم بآيات الله تعالى التي تخر لها صم الجبال حيث لم يرفعوا لها رأسًا ولم يعدوها من جنس الآيات وقالوا: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} مثل آيات موسى وعيسى عليهما السلام من قلب العصا حية وإحياء الموتى عنادًا أو مكابرة وإلا ففي أدنى آية أنزلت عليه عليه الصلاة والسلام غنية وعبرة لأولي الألباب، والتعبير بالمضارع استحضارًا للحال الماضية، وجوز أن يكون إشارة إلى أن ذلك القول ديدنهم، وتنوين: {ءايَةً} للتعظيم وجوز أن يكون للوحدة.
{إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} مرسل للإنذار من سوء عاقبة ما نهى الله تعالى عنه كدأب من قبلك من الرسل وليس عليك إلا الإتيان بما يعلم به نبوتك وقد حصل بما لا مزيد عليه ولا حاجة إلى إلزامهم والقامهم الحجر بالإتيان بما اقترحوه: {وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} أي نبي داع إلى الحق مرشد إليه بآية تليق به وبزمانه، والتنكير للإبهام وروي هذا عن قتادة أيضًا ومجاهد وعليه فقوله تعالى: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} استئناف جوابًا عن سؤال من يقول: لماذا لم يجابوا إلى المقترح فتنقطع حجتهم ولعلهم يهتدون؟ بأن ذلك أمر مدبر ببالغ العلم ونافذ القدرة لا عن الجزاف واتباع آرائهم السخاف، وجوز أن يراد بالهادي هو الله تعالى وروي ذلك عن ابن عباس. والضحاك. وابن جبير، فالتنوين فيه للتفخيم والتعظيم، وتوجيه الآية على ذلك أنهم لما أنكروا الآيات عنادًا لكفرهم الناشئ عن التقليد ولم يتدبروا الآيات قبل: إنما أنت منذر لا هاد مثبت للإيمان في صدورهم صاد لهم عن جحودهم فإن ذلك إلى الله تعالى وحده وهو سبحانه القادر عليه، وعلى هذا بيل: يجوز أن يكون قوله سبحانه: {الله} خبر مبتدأ محذوف أي هو الله ويكون ذلك تفسيرًا لهاد و: {يَعْلَمْ} جملة مقررة لاستقلاله تعالى بالهداية كالعلة لذلك، ويجوز أن يكون جملة: {الله يَعْلَمُ} مقررة ويكون من باب إقامة الظاهر مقام المضمر كأنه هو تعالى يعلم أي ذلك الهادي، والأول بعيد جدًا.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن جرير عن عكرمة وأبي الضحى أن المنذر والهادي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجه ذلك بأن: {هَادٍ} عطف على: {مُنذِرُ} و: {لِكُلّ قَوْمٌ} متعلق به قدم عليه للفاصلة.
وفي ذلك دليل على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم وشمول دعوته، وفيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجار والمجرور والنحويون في جوازه مختلفون، وقد يجعل: {هَادٍ} خبر مبتدأ مقدر أي وهو هاد أو وأنت هاد، وعلى الأول فيه التفات، وقال أبو العالية: الهادي العمل، وقال علي بن عيسى: هو السابق إلى الهدى ولكل قوم سابق سبقهم إلى الهدى.
قال أبو حيان: وهذا يرجع إلى أن الهادي هو النبي لأنه الذي يسبق إلى ذلك وعن أبي صالح أنه القائد إلى الخير أو إلى الشر والكل كما ترى.
وقالت الشيعة: إنه علي كرم الله تعالى وجهه ورووا في ذلك أخبارًا، وذكر ذلك القشيري منا.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والديلمي وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} [الرعد: 7] الآية وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: أنا المنذر وأومأ بيده إلى منكب علي كرم الله تعالى وجهه فقال: أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن عساكر أيضًا عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية: رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر وأنا الهادي، وفي لفظ الهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه.
واستدل بذلك الشيعة على خلافة علي كرم الله تعالى وجهه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فصل.
وأجيب بأنا لا نسلم صحة الخبر، وتصحيح الحاكم محكوم عليه بعدم الاعتبار عند أهل الأثر، وليس في الآية دلالة على ما تضمنه بوجه من الوجوه، على أن قصارى ما فيه كونه كرم الله تعالى وجهه به يهتدي المهتدون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لا يستدعي إلا إثبات مرتبة الإرشاد وهو أمر والخلافة التي نقول بها أمر لا تلازم بينهما عندنا.
وقال بعضهم: إن صح الخبر يلزم القول بصحة خلافة الثلاثة رضي الله تعالى عنهم حيث دل على أنه كرم الله تعالى وجهه على الحق فيما يأتي ويذر وأنه الذي يهتدي به وهو قد بايع أولئك الخلفاء طوعًا ومدحهم وأثنى عليهم خيرًا ولم يطعن في خلافتهم فينبغي الاقتداء به والجري على سننه في ذلك ودون إثبات خلاف ما أظهر خرط القتاد.
وقال أبو حيان: إنه صلى الله عليه وسلم على فرض صحة الرواية إنما جعل عليًا كرم الله تعالى وجهه مثالًا من علماء الأمة وهداتها إلى الدين فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: يا علي هذا وصفك فيدخل الخلفاء الثلاث وسائر علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم بل وسائر علماء الأمة، وعليه فيكون معنى الآية إنما أنت منذر ولكل قوم في القديم والحديث إلى ما شاء الله تعالى هداة دعاة إلى الخير اهـ وظاهره أنه لم يحمل تقديم المعمول في خبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على الحصر الحقيقي وحينئذٍ لا مانع من القول بكثرة من يهتدي به، ويؤيد عدم الحصر ما جاء عندنا من قوله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» وأخبار أخر متضمنة لإثبات من يهتدي به غير علي كرم الله تعالى وجهه، وأنا أظنك لا تلتفت إلى التأويل ولا تعبأ بما قيل وتكتفي بمنع صحة الخبر وتقول ليس في الآية مما يدل عليه عين ولا أثر هذا، و: {مَا} يحتمل أن تكون مصدرية أي يعلم حمل كل أنثى من أي الإناث كانت، والحمل على هذا بمعنى المحمول، وأن تكون موصولة والعائد محذوف أي الذي تحمله في بطنها من حين العلوق إلى زمن الولادة لا بعد تكامل الخلق فقط، وجوز أن تكون نكرة موصوفة و: {يَعْلَمْ} قيل متعدية إلى واحد فهي عرفانية، ونظر فيه بأن المعرفة لا يصح استعمالها في علم الله تعالى وهو ناشئ من عدم المعرفة بتحقيق ذلك وقد تقدم، وجوز أن تكون استفهامية معلقة ليعلم وهي مبتدأ أو مفعول مقدم والجملة سادة مسد المفعولين، أي يعلم أي شيء تحمل وعلى أي حال هو من الأحوال المتواردة عليه طورًا فطورًا، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر المتبادر، وكما جوز في: {مَا} هذه الأوجه جوزت في ما بعدها أيضًا، ووجه مناسبة الآية لما قبلها قد علم مما سبق، وقيل: وجهها أنه لما تقدم إنكارهم البعث وكان من شبههم تفرق الأجزاء واختلاط بعضها ببعض بحيث لا يتهيأ الامتياز بينها نبه سبحانه بهذه الآية على إحاطة علمه جل شأنه إزاحة لشبهتهم؛ وقيل: وجهها أنهم لما استعجلوا بالسيئة نبه عز وجل على إحاطة علمه تعالى ليفيد أنه جلت حكمته إنما ينزل العذاب حسبما يعلم من المصلحة والحكمة، وفي مصحف أبي ومر ما قيل في نظيره: {مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وَمَا تَضَعُ}: {وَمَا تَغِيضُ الارحام وَمَا تَزْدَادُ} أي ما تنقصه وما تزداده في الجثة كالخديج والتام وروي ذلك عن ابن عباس، وفي المدة كالمولود في أقل مدة الحمل والمولود في أكثرها وفيما بينهما وهو رواية أخرى عن الحبر، قيل: إن الضحاك ولد لسنتين، وإن هرم بن حيان لأربع ومن ذلك سمي هرمًا، وإلى كون أقصى مدة الحمل أربع سنين ذهب الشافعي، وعند مالك أقصاها خمس، وعند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أقصاها سنتان وهو المروى عن عائشة رضي الله تعالى عنها، فقد أخرج ابن جرير عنها لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما تتحرك فلكة مغزل، وفي العدد كالواحد فما فوق، قيل: ونهاية ما عرف أربعة فإنه يروى أن شريك بن عبد الله ابن أبي نمير القرشي كان رابع أربعة وهو الذي وقف عليه إمامنا الأعظم رضي الله تعالى عنه، وقال الشافعي عليه الرحمة: أخبرني شيخ باليمن أن امرأته ولدت بطونًا في كل بطن خمسة وهذا من النوادر، وقد اتفق مثله لكن ما زاد على اثنين لضعفه لا يعيش إلا نادرًا.
وما يحكى أنه ولد لبعضهم أربعون في بطن واحدة كل منهم مثل الإصبع وأنهم عاشوا كلهم فالظاهر أنه كذب، وقيل: المراد نقصان دم الحيض وازدياده وروي ذلك عن جماعة، وفيه جعل الدم في الرحم كالماء في الأرض يغيض تارة ويظهر أخرى، وغاض جاء متعديًا ولازمًا كنقص وكذا ازداد وهو مما اتفق عليه أهل اللغة، فإن جعلتهما لازمين لا يجوز أن تكون: {مَا} موصولة أو موصوفة لعدم العائد، وإسناد الفعلين كيفما كانا إلى الأرحام فإنهما على اللزوم لما فيها وعلى التعدي لله جل شأنه وعظم سلطانه: {وَكُلَّ شئ} من الأشياء: {عِندَهُ} سبحانه: {بِمِقْدَارٍ} بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} [القمر: 49] فإن كل حادث من الاعراض والجواهر له في كل مرتبة من مراتب التكوين ومباديها وقت معين وحال مخصوص لا يكاد يجاوزه ولعل حال المعدوم معلوم بالدلالة إذا قلنا: إن الشيء هو الموجود و: {عِندَ} ظرف متعلق بمحذوف وقع صفة لشيء أو لكل و: {بِمِقْدَارٍ} خبر: {كُلٌّ} وجوز أن يكون الظرف متعلقًا بمحذوف وقع حالًا من مقدار وهو في الأصل صفة له لكنه لما قدم أعرب حالًا وفاءً بالقاعدة؛ وأن يكون ظرفًا لما يتعلق به الجار، والمراد بالعندية الحضور العلمي بل العلم الحضوري على ما قيل، فإن تحقق الأشياء في أنفسها في أي مرتبة كانت من مراتب الوجود والاستعداد لذلك علم بالنسبة إليه تعالى، وقيل: معنى عنده في حكمه.
{عالم الغيب} أي الغائب عن الحس: {والشهادة} أي الحاضر له عبر عنهما بهما مبالغة.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن الغيب السر والشهادة العلانية، وقيل: الأول المعدوم والثاني الموجود ونقل عن بعضهم أنه قال: إنه سبحانه لا يعلم الغيب على معنى أن لا غيب بالنسبة إليه جل شأنه والمعدومات مشهودة له تعالى بناءً على القول برؤية المعدوم كما برهن عليه الكوراني في رسالة ألفها لذلك، ولا يخفى ما في ذلك من مزيد الجسارة على الله تعالى والمصادمة لقوله جل شأنه: {عالم الغيب} ولا ينبغي لمسلم أن يتفوه بمثل هذه الكلمة التي تقشعر من سماعها أبدان المؤمنين نسأل الله تعالى أن يوفقنا للوقوف عند حدنا ويمن علينا بحسن الأدب معه سبحانه، ورفع: {عالم} على أنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما: {عالم} بالنصب على المدح، وهذا الكلام كالدليل على ما قبله من قوله تعالى: {الله يَعْلَمُ} [الرعد: 8] إلخ.
{الكبير} العظيم الشأن الذي كل شيء دونه: {المتعال} المستعلي على كل شيء في ذاته وعلمه وسائر صفاته سبحانه، وجوز أن يكون المعنى الكبير الذي يجل عما نعته به الخلق من صفات المخلوقين ويتعالى عنه، فعلى الأول المراد تنزيهه سبحانه في ذاته وصفاته عن مداناة شيء منه؛ وعلى هذا المراد تنزيهه تعالى عما وصفه الكفرة به فهو رد لهم كقوله جل شأنه: {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 159] قال العلامة الطيبي: إن معنى: {الكبير المتعال} بالنسبة إلى مردوفه وهو: {عالم الغيب والشهادة} هو العظيم الشأن الذي يكبر عن صفات المخلوقين ليضم مع العلم العظمة والقدرة بالنظر إلى ما سبق من قوله تعالى: {مَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى} [الرعد: 8] إلى آخر ما يفيد التنزيه عما يزعمه النصارى والمشركون، ورفع: {الكبير} على أنه خبر بعد خبر، وجوز أن يكون: {عالم} مبتدأ وهو خبره. اهـ.